موسيقي الشوارع الذي غير نظرتي للحياة

التقيت به صدفة أثناء مروري في شارع الاستقلال، وأكثر ما لفت انتباهي هو ما كتبه على اللوحة الصغيرة أمامه (Traveling the world by bike)، ودفعني الفضول والدهشة إلى التواصل معه لأعرف قصته، وانتهى الأمر بلقاء مطول أصبح فيما بعد مقالاً وفيديو نشرته على أراجيك.
أوغوستو موسيقي شوارع أرجنتيني وصل إلى اسطنبول بعد رحلة استمرت لشهور قام بها باستخدام دراجته الهوائية فقط، بدئها من اسبانيا وقطع كل دول أوربا الغربية في طريقه حتى وصل إلى هنا، فقط ليعزف الموسيقى للناس في الشوارع، و”يزرع البسمة على وجوههم”.
حواري مع هذا الشاب غير الكثير من مفاهيمي عن الحياة، فحتى فكرة السفر التي كانت بالنسبة لي هدفًا أو غاية مرتبطة بالوصول إلى مستوى مادي يساعد على “تحمل تكاليف السفر” لم تعد كذلك اليوم، فالسفر هو وسيلة للوصول إلى وجوه الناس، والتعرف عليهم، ويمكنك القيام بذلك حتى لو كان على دراجة هوائية. لا شيء يمكن أن يعيق هكذا رحلة سوى جواز سفر سوري :).
لقد قطع أوغوستو عشرات الدول بدون أن يدفع ثمن بطاقة طائرة واحدة، وكان يتطوع لغسيل الصحون في الفنادق مقابل السماح له بالمبيت فيها، وكان يخاطر بمواجهة ناس لا يعرفهم ولايمكنه توقع ردة فعلهم، ولا يعرف لغتهم، ولا يجيد التواصل معهم سوى بطريقة واحدة، العزف في الشوارع والابتسامة.
أخبرني أنه واجه الكثير من المشاكل، وأن الشرطة التركية أوقفته لمدة يوم وحققت معه، وحصلت مشادة كُسِر على اثرها هاتفه المحمول، ولكنه تابع مسيرته بعد ذلك، وعاود العزف للناس والابتسام في وجوههم.
نعم لقد ساعده جواز سفره الارجنتيني على تجاوز الكثير من الصعوبات فيما يتعلق بموضوع الفيزا والسفر، ولكنه لم يكن مضطراً لخوض ذلك من الأساس!! كما أنه لم يكن يفعل ذلك من أجل المال أو التسول كما يفعل البعض من موسيقيي الشوارع، ولم يرد أن يحترف الموسيقى ويصبح مشهوراً على الرغم من أنه كتب ولحن أكثر من أغنية طلب من الناس فيها الاستمتاع بضوء الشمس والمطر والسعادة والألم، وعيش الحياة بكل مافيها.
لقد كان بإمكانه الاستفادة من المعارف التي كونها في رحلته بشكل مادي أو معنوي، لقد كان بإمكانه الظهور إعلامياً والحصول على الكثير من الشهرة والمال التي ستفيده حتى في رحلته، لكنه أصر على مواجهة كل شيء كما هو، ومتابعة رحلته واكتشافه للعالم، التي حتى هو ما زال لا يعلم متى وكيف وأين ستنتهي!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *