ارتبطت كلمة روتين لدى كثيرين بمعنى سلبي، وأصبحت عبارة “لا أحب الروتين” مؤشر فياعة لقائلها، ودليل على حبه للمغامرة والمخاطرة، ويترافق الروتين عادةً مع الملل، وأن أي شخص يتبع روتينًا، فهو ممل، ونيرد، ويرتدي نظارة سميكة بعدسة “كعب الفنجان”.
لم أفتح المعجم، ولم أبحث في غوغل، ولم أسأل Chat GPT، لكن يبدو لي من شكل الكلمة أن كلمة روتين مشتقة من كلمة Rotation أي الدوران، أو التعاقب، وفي الغالب يعرف الروتين أنه عادة إعادة تكرار أفعال معينة بشكل معين ونطاق زمني معين بشكل مستمر. قد يكون يوميًا ، أو أسبوعيًا، أو شهريًا، أو سنويًا.
وبما أني وثقت بدراستي للترجمة والأدب الانجليزي لمدة سنتين، ومن هذه الثقة قررت أن كلمة روتين ليست عربية، فقررت البحث عن مرادف عربي لها، ويخطر لي هنا كلمة مثل “الدأب” بما أن دأب الشخص على القيام بنفس الفعل يعني قيامه به باستمرار، وهذا أقرب ما يكون للروتين، ولكن كالعادة لا أظن أن أحدًا سيستخدم هذا المصطلح في جملة مفيدة أبدًا.
لا أعرف عن نفسي بأني شخص منظم. لست فوضويًا أيضًا، ولكني أعرف الكثير من الأشخاص المنظمين الذين برؤيتي لمستوى تنظيمهم وانضباطهم أخجل من توصيف نفسي بالمنتظم، ولكني أعرف نفسي بأني “عفوي” أكثر، لا أمشي على عماها، ولكني في نفس الوقت لا أتبع مخططًا دقيقًا موضوعًا مسبقًا لما سأقوم به خلال اليوم، أو الأسبوع أو الشهر أو السنة.
أعتقد أني ابتكرت نظامًا خاصًا، يساعدني على الانجاز والاستمرار، ولا يثقلني كثيرًا بهم الفشل في الحفاظ على الروتين، ولا يشعرني بالذنب من فشلي بالالتزام بنسبة 100% بكل شيء، لدي بعض المهام الأساسية للقيام بها يوميًا، ولدي أشياء تطرأ فجأة وتخرب كل شيء، فأكون من البداية مستعد للتعامل مع هكذا مواقف، وأمنح نفسي مرونة مريحة لإعادة ترتيب الأولويات والأشياء في أي وقت بما أرى أنه خير لي ولعائلتي ومن بعد ذلك لعملي.
فلا مانع لدي، من أن لا أمارس الرياضة اليوم إذا كان ذلك على حساب أن أكسب ساعة نوم إضافية ستساعدني على خوض اجتماع مع عميل محتمل جديد قد ينتهي بصفقة بآلاف الدولارات، ويمكن أن أعود لتعويض هذه الفقرة في آخر اليوم، أو ربما استبدلها بالمشي، حتى لو لم تقدم لي 100% مما كنت سآخذه من فقرة الرياضة في النادي، إلا أن ذلك أفضل بكثير من لاشيء، ثم أنني أضفت إلى ذلك اجتماع عمل ناجح سيمنحني مزيدًا من الراحة والحرية المالية (أكره المصطلح الأخير).
هل هذا النمط من الروتين هو الأفضل؟ طبعًا لا، لكن هو ما استطيع الالتزام به اليوم على أمل تحسينه بشكل تدريجي في الفترة القادمة. ثم أن الموضوع بالنسبة لي ليس تمارين عسكرية. هي حياتي، والهدف منها أن أعيشها وأن أنجز فيها ما استطعت، وأن أكون مرتاحًا ما استطعت، فإن استطعت الحصول على 70% من كل ذلك، فأنا بكل تأكيد بطل.
عندما أسست شركتي Go360 Digital في 2019 بشكل رسمي، لم يكن لدي أي عملاء بعد، وكنت قد استقلت مؤخرًا من عمل كان يغطي مصاريف حياتي أيضًا، وكان لدي مصاريف شهرية يجب أن أدفعها للدولة (تركيا) من ضرائب شهرية وتأمين إلزامي لصاحب الشركة ومصاريف للمحاسب، وهذا جعلني تحت ضغط كبير، هذا الضغط دفعني إلى عمل روتين عمل خاص بي، والالتزام به بشكل كبير.
كنت أذهب إلى عملي في الساعة التاسعة صباحًا، أغادر مكتبي في الساعة الخامسة أو بعد أنهي أعمال واجتماعات اليوم (أيهما أقرب) ومن ثم أذهب إلى النادي الرياضي الذي كان في نفس البرج، ومن ثم أعود إلى المنزل لأشاهد فيديو جديد من قناة Valuetainment على يوتيوب أتعلم منها مفهومًا جديدًا عن التسويق والمبيعات وريادة الأعمال، أو دراسة حالة عن نجاح أو فشل شركة ما لأدون الملاحظات وأستفيد منها بشكل آني وأطبقها على عملي فورًا، وبعد ساعة أتناول طعام العشاء مع والدتي وإخوتي، ومن ثم أخلد إلى النوم، واستمريت على هذه الحالة حتى بداية الحجر الصحي مع وصول فايروس كورونا إلى تركيا في مارس 2020.
في بعض الأحيان لم يكن لدي اجتماعات في الصباح فكنت أتوجه إلى النادي في الصباح، ومن ثم أشتري صحن السلطة المفضل عندي، ومن ثم أذهب إلى المكتب وأبدأ العمل.
لولا هذا الروتين، لما كنت سأتمكن من توصيف تلك الحقبة بعد هذه المدة بهذه الدقة دون الشك بصحة أي مما ذكرته، ولولا الروتين، لما تمكنت من الوصول إلى مرحلة جيدة من الأمان في العمل، والاستمرار به إلى اليوم (6 سنوات ونصف يا سلام)، ولولا الروتين والالتزام بالتعلم اليومي والمواكبة، لما كنت اليوم أتحدث إلى عملائي بثقة عن النتائج والقيمة التي يمكننا تقديمها لهم. أفضل وأجمل أيام حياتي بالفعل هي تلك التي كانت منظمة وتتبع روتينًا معينًا.
نعم، لا مشكلة في “كسر الروتين” أو “الغش” أو “الاستراحة” كما في أقسى أنواع الحميات الغذائية، فهذا ما يميز الانسان عن الروبوت، وربما تكون مطالبة أنفسنا بالالتزام الصارم بروتين، أو القسوة بمحاسبة أنفسنا عندما نكسر الروتين، هي انتزاع لانسانيتنا، وقد ينفرنا في النهاية من مفهوم الالتزام، الذي نقوم به بالنهاية لهدف معين أو أكثر، فليكن مقياسنا الأساسي هو تمكننا من التقدم نحو هدفنا الأساسي من الروتين من عدمه، ولا يكن روتين بغرض الروتين.
لو تناولت أكلتك المفضلة يوميًا لمدة شهر كامل فستكرهها حكمًا!
بالمناسبة أنا أستخدم تطبيق اسمه Rize لتتبع نشاطي وروتين عملي اليومي على الكمبيوتر، وباستخدام الذكاء الاصطناعي يعطيني في نهاية اليوم معلومات مفيدة تساعدني كثيرًا على تحسين انتاجيتي. أنصحك جدًا باستخدامه.